حرائق غابات عكار آخر إسفين في البيئة المحلية والطبيعة الرائعة

عشرات الحرائق وألوف الأشجار الحرجية تتلف سنوياً

IMG_1164

شكّلت الأحداث الموجعة على الساحة المحلية والعربية نكسة لما كان ينتظره اللبنانيون، نظرا لطبيعة هذه الأحداث، في الدرجة الأولى فيما تحمله من قتل ودم وشهداء ودمار على الصعد المادية والنفسية والمعنوية، وفي الدرجة الثانية من تأثيرات على الواقع السياسي، الأقتصادي، الأجتماعي والسياحي، حيث أمل وحلم الكثير أن يكون لبنان محطة أمن في الزمن المضطرب، وفسحة سلام في زمن الحرب، لكن… لم تكن الرياح موافقة لمجرى السفينة، وغاصت في إضطرام عظيم.
وعكار جزء هام من هذا الوطن الجريح وأكثر من حيث التهميش، حاول النائب هادي حبيش، من خلال «لجنة المهرجانات» الأولى في القبيات، لإدخال الفرح وإعطاء هذه التجربة الكبيرة في المحتوى كل النجاح، وقالت رئيسة المهرجانات عقيلته سينتيا حبيش بأن هذه المهرجانات تهدف قبل كل شيء آخر الى إنعاش القبيات والمنطقة اقتصادياً وإنمائياً وسياحياً، والى تثبيت صورة معالمنا الطبيعية والبيئية الفضلى على الخارطة السياحية اللبنانية، هذه المنطقة التي يجهلها الكثيرون في لبنان.
* أما محافظ عكار عماد لبكي فأشار الى وصفه بالحدث المميّز و«يعبّر عن هويتنا وتراثنا،، وهو خير دليل على روح التآخي التي تجمع أبناء المنطقة على أسس العيش المشترك، وعلى إرادة الحياة لدى أبناء عكار وتحدّيهم للصعاب التي يواجهها المجتمع المدني». وأن يكون هذا الحدث، «بداية لنهضة انمائية تشمل منطقة عكار بأسرها، وأن يكون منطلقاً لإنماء كامل للمنطقة».
وأمل أن تساهم المهرجانات في خلق تنظيم إداري جديد، يكون حديثا ومتطوّرا وقادرا على تلبية حاجات المواطنين في أقصى سرعة وفعالية، بالتعاون مع الوزارات والإدارات والشخصيات السياسية الرسمية بالإضافة الى هيئات المجتمع المدني التي تتمتع بدور فعّال في مجال التنمية.
هذه الاستهدافات الكثيرة التي كانت منتظرة من مهرجانات القبيات – عكار، سقطت مع سقوط شهداء الجيش والأحداث التي حصلت في عرسال وجرودها، والتداعيات التي ألغت كل الاحتفالات والمهرجانات.
وعكار عادت الى هدوئها التي اعتادت عليه والى فقرها والحرمان، والأمل أن تتحسّن الأوضاع في السنوات المقبلة وأن يعود للمنطقة ألقها، وتطلعها الى السياحة البيئية والمهرجانات في رحاب المحافظة الحديثة العهد تطبيقا.
* رئيس مجلس البيئة في عكار الدكتور أنطوان الضاهر الذي حصل على جائزة «أفضل بيئي» للعام 2009 من اللجنة البيئية للريجي في لبنان أشار الى «تأثير طبيعة لبنان على مميّزات البلد الحضارية وخصائصه»، وقال: «من دون بيئة لا وجود للبنان». ودعا اللبنانيين الى «الانتفاضة على الملوثين». وهو الذي بدأ نضاله البيئي في أوائل التسعينات وكانت له صولات وجولات في مجال حماية غابات عكار وزيادة الوعي البيئي، وكان أول من ابتكر أبراج المراقبة للانذار المبكر عند حصول الحرائق في الغابات.
ويؤكد خبراء البيئة انه مع حجم التعدّيات المتزايدة على غابات عكار – إذا ما استمرت بالوتيرة نفسها دون مراقبة ومحاسبة -،  والحرائق التي ارتفعت وتيرتها، فإن غابات عكار التي تشكّل بتنوّعها البيولوجي وباتساع غطائها الحرجي والنباتي الذي يغطي نحو 25% من مساحة المنطقة الاجمالية والتي كانت في خمسينات القرن العشرين نحو 60% من مساحة عكار، هذا يعتبر عامل الجذب رئيسي  للسياحة، ومحبي المشي في الطبيعة. هذا العامل مهدد جدّيا بسبب الحرائق وتقلص مساحة الطبقة الخضراء ومع نقص المياه وإرتفاع حرارة الأرض.
هذه الحرائق التي تزايدت هذا الصيف إضافة الى أعمال القطع الجائر والرعي يقلص من السعي والجهود التي يبذلها البيئيون بهدف إرساء مفهوم جديد للسياحة في عكار هو السياحة البيئية التي تلقى رواجا واسعا داخل المنطقة وبين أهلها، لكن ليس هذا الأمر الذي يسعى إليه المرء في عكار يدركه.
في تذكير ببعض المعطيات عن الغطاء الأخضر في عكار، حيث يبلغ طول غابات عكار المتصلة على امتداد جبال السلسلة الشرقية للمنطقة من المرتفعات العالية والمتوسطة من وادي جهنم مرورا بفنيدق – القموعة وعكار العتيقة الى القبيات كرم شباط عندقت ووادي عودين  نحو 30 كيلومتراً وعرضها يتراوح بين 7 و10 كيلومترات على ارتفاع ما بين 600 و2250 مترا عن سطح البحر (طريق درب الجبل اللبناني). فضلا عن أنها تضم عدة أشجار فريدة من نوعها في منطقة بحر الأبيض المتوسط.
وتشتهر المنطقة بغاباتها التي تضم أكثر من مئة نوع من الأشجار الحرجية وعددا كبيرا من أشجار الأرز (التنوب) التي يصل عمر بعضها إلى نحو ألفي سنة، إضافة إلى أشجار الشوح والعرعر النادرة التي يصل ارتفاعها الى نحو 30 متراً ومحيط بعضها الى ستة أمتار وأكثر واللزاب الصلب وأشجار الشوح الكيليكي، وغابة العذر النادرة في الشرق الأوسط، التي تضم عشرات ألوف الأشجار إضافة الى نحو أربعة آلاف شجرة سنديان من فصيلة (إيرون أواك)، وهي أشجار عملاقة دهرية ومستقيمة وكثيفة، وتضم أنواعا لا تحصى من النباتات والأزهار البرية الهامة النادرة التي يشير رئيس مجلس البيئة الدكتور أنطوان ضاهر الى ذلك مشيرا ومنبّها في الوقت نفسه من «وجود كارثة حقيقة في غابات عكار، الأمر الذي يستدعي تدخّلا فوريا لرفع الغطاء عن المعتدين ومحاسبتهم»، داعيا المعنيين في الدولة ووزارة الداخلية بضرورة مراقبة هذه الأحراج وحمايتها.
ويقول الضاهر أن التعديات تطال غابات عكار كافة، وإن كانت بنسب متفاوتة وتمتد الغابات من خراج بلدة شدرة حتى وادي جهنم في أقصى جنوب عكار مرورا بغابات جبل اكروم وحلسبان وحلبوسة والشنبوق في خراج القبيات، والى كرم شباط وجبال القموعة وسهولها، واحراج عكار العتيقة الى غابات وطى مشمش وحرار والقمامين، ولا سيما غابة «القلة» التي ترتفع فيها أشجار الأرز على ارتفاع ما يربو عن 2000 متر عن سطح البحر، مؤكدا  على «ضرورة إعلان غابات القموعة وكرم شباط والقلة محميات طبيعية يحظر الدخول عليها، والا فإن هذه الغابات في طريقها الى الزوال».
* وإستنكر رئيس اتحاد بلديات جرد القيطع عبد الاله زكريا أعمال القطع والتعدّيات والحرائق في الغابات، كغابة «القلة» وفي أي مكان آخر تحصل فيها، داعيا الدولة الى مواجهة الهجمة على الأشجار التي هذه السنة جاءت مضاعفة، ومطالبا وزير الدفاع بوضع هذه الغابات تحت مراقبة الجيش وسيطرته، خصوصا أن البلديات لا تملك القدرة الكافية لمراقبتها، مشيرا الى وجود ناطورين بيئيين يعملان على حراسة غابات المنطقة وتحديدا غابة القموعة.
وفي مواجهة حملات القطع والرعي والحرائق المفتعلة والطبيعية تحركت جهات أهلية ورسمية للعمل على التشجير وفق أمكانيات قليلة وغير كافية بل قاصرة عن الوصول الى جزء يُعيد بعض مما فقد من ثروات حرجية دهرية.
لكن الجهود مشكورة مهما كان حجمها، ومنها ما نظمته دائرة التنمية الريفية في عكار بالتعاون مع مدرسة قوس عكار الرسمية، يوم تحريج تطوعي في محلة معقودة في عكار العتيقة، حيث تولى طلاب المدرسة غرس 500 غرسة من أنواع أشجار مختلفة، وسبق هذا العمل يوم ارشادي في المدرسة تحدث فيها مدير المدرسة علي يحيى أمام الطلاب شارحا لأهمية عملية التشجير خاصة في الحفاظ على بيئة سليمة.
ونظمت جمعية «لبنان أخضر من جديد Lebanon Green again» حملة تشجير من الجو بواسطة طوافة تابعة للجيش اللبناني في منطقتي القبيات وعندقت في الشمال.
* وقال أمين عام الجمعية ربيع سالم بان عملية التشجير شهدتها المنطقة  في خراج بلدتي القبيات وعندقت هي من ضمن مشروع متكامل أعدّته الجمعية برعاية وزارة البيئة بالتعاون مع قيادة الجيش اللبناني كاستراتيجية جديدة لإعادة تحريج لبنان وزيادة الرقعة الخضراء وفق تقنية نثر البذور المعالجة بالهورمونات وهي استراتيجية جديدة لاستبدال الشتول بالبذور سواء عبر الزراعة اليدوية المباشرة او عبر نثرها من الجو في المناطق المتعذر بلوغها.
وأشار سالم الى ان نسبة نجاح هذه العملية بناء على تقارير العام 2009 بلغت حدود الـ 20%، وهذا أمر جيد للغاية وفيها تخفيف كلفة مالية 50 مرة أقل عن عملية التحريج التي كانت تتم بشتل غرسات الأشجار الحرجية إذ تبلغ كلفة كل طن من البذور حوالى العشرين ألف دولار اميركي (عدد البذور في كل طن حوالى 1200000 مليون ومئتي ألف بذرة)، أما كلفة غرس 120 ألف شجرة حرجية فهي تقارب المليون دولار أميركي.
ولفت سالم الى ان عملية نثر البذور وزراعتها لا تلغي عملية غرس الشتول لأن لعملية التشجير أبعادا توجيهية وتربوية بالنسبة للشباب والمجتمع بشكل عام إذ لا يمكن الاعتماد على الطوافات العسكرية. وإشراك المجتمع المدني والأهلي والجمعيات البيئية أمر بالغ الأهمية لتحسين الوعي المجتمعي إزاء هذا الأمر الحيوي.
وبحسب سالم فان العملية شملت نثر البذور على مساحة تزيد على الـ 400 ألف متر مربع في منقطتي القبيات وعندقت في الغابات التي كانت احترقت العام 2007.
وأكد سالم على ان الجمعية بالتعاون مع الجمعيات الأهلية والبلديات ستتابع هذه العملية عن قرب وستعدّ تقارير كل شهرين عن مدى نجاح هذه العملية.
* وفي إطار التوجيه والمساعي البيئية القى الأمين العام للجمعية اللبنانية للانماء الريفي  المهندس جان موسى أهداف الجمعية والمشاريع المستقبلية والخطط الانمائية المدرجة على جدول أعمال الجمعية مؤكدا بان الخطط البيئية هو من أجل تحسين الظروف الحياتية العكارية من خلال تفعيل السياحة البيئية بهدف تعزيز الاقتصاد الوطني.
إن المناطق التي تحصل فيها الحرائق كبيرة ومتعددة وعلى طول المساحة الخضراء في عكار وتتطلب – رغم الأحداث الأمنية نظرا لأهميتها على الإنسان والطبيعة – الانتباه والرعاية والمتابعة للحفاظ على الباقي من ثروات بيئية وحياتية عكارية – لبنانية. 

المصدر: جريدة اللواء – رضوان يعقوب

Justified Image Grid Plugin